في السنوات الأخيرة، شهد العالم تحوّلًا جذريًا في مفاهيم التعليم، فلم يعد تركيز المدارس منصبًا فقط على نقل المعارف الأكاديمية مثل الرياضيات والعلوم، بل اتسعت دائرة الاهتمام لتشمل ما يُعرف بـ"المهارات الحياتية"، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من تكوين الطالب المتكامل
تُعرّف منظمة الصحة العالمية المهارات الحياتية بأنها مجموعة من القدرات النفسية والاجتماعية التي تُمكّن الفرد من اتخاذ قرارات فعّالة، والتواصل الجيد مع الآخرين، والتعامل بإيجابية مع متطلبات الحياة اليومية
(World Health Organization, 1997)
ومن أبرز هذه المهارات: التفكير الناقد، حل المشكلات، إدارة الانفعالات، مهارات التواصل، والقدرة على التكيّف مع التغيّرات
نعم، لكن الأساليب تختلف. تدريس المهارات الحياتية لا يتم عبر التلقين، بل من خلال مواقف تعليمية تفاعلية تشجع على التأمل والممارسة. فبدل أن يُطلب من الطالب حفظ تعريف "التعاطف"، يُوضع في موقف افتراضي أو واقعي يختبر فيه مشاعر الآخرين، ويتعلّم كيف يتعامل معهم بلطف
وتؤكد منظمة اليونسكو أن التعليم الفعّال للمهارات الحياتية يتطلب دمجها في البيئة الصفية عبر أنشطة تطبيقية مثل النقاشات، ولعب الأدوار، والعمل التعاوني، بما يُنمي جوانب السلوك والتفكير معًا
(UNESCO, 2015)
عندما نُعلّم الطفل كيف يتحكم في مشاعره، ويتخذ قرارات سليمة، ويتواصل بثقة، فإننا نُعِدّه لمواجهة الحياة، وليس فقط لاجتياز الاختبارات
وقد أظهرت دراسات تربوية أن تعليم المهارات الحياتية يُسهم في تعزيز الصحة النفسية للطلاب، ويقلل من السلوكيات السلبية، ويرفع من مستوى التحصيل الأكاديمي
(WHO, 1997)كما أن الطلاب الذين يتم تدريبهم على هذه المهارات يكونون أكثر قدرة على التكيّف مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية في المستقبل
(UNESCO, 2015)
تدريس المهارات الحياتية ليس بديلاً عن المواد الأكاديمية، بل هو مكمّل لها. فكما نُدرّس الرياضيات لتقوية مهارات التفكير التحليلي، نُدرّس المهارات الحياتية لصناعة إنسان قادر على اتخاذ القرار، وحل مشاكله، والتفاعل بإيجابية مع مجتمعه. التعليم الحقيقي لا يكتفي بتنمية العقل، بل يهتم بتربية الإنسان بكل جوانبه